قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 30]، وقال:وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47]، وقال: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وقال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 6 – 8].
فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة.
وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار بعد الله إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة.
تعريف [/sizeمحاسبة [/url]النفس:
أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل.
نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت الحسرات.
فوائد المحاسبة
1- الاطلاع على عيوب نفسه:
فيبدأ بعلاجها، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: «ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى».
وقال بكر المزني: «لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم»، وقال يونس بن عبيد: «إني لأجد مائة خصلةٍ من خصال الخير، ما أعلم أن في نفسي منها واحدة».
وقال محمد بن واسع: «لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلي».
وذكر داود الطائي عند بعض الأمراء، فأثنوا عليه، فقال: «لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خيرٍ أبدًا».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فقال قائل: يا أمير المؤمنين، هذا الظلم فما بال الكفر؟ قال: إن الإنسان لظلوم كفار».
ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر: 32]. فقالت: أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله شهد له رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم، فجعلت نفسها معنا، وهنا قال الشيخ محمد حامد الفقي معلقًا: إنما قالت هذا تواضعًا، وإلا فهي من خيار السابقين المقربين.
ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف ما يدنو بالعمل.
وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يحاسبون أنفسهم، فأثمرت المحاسبة استصغار العمل ودنو الأجل.
2- أن يعرف حق الله تعالى عليه:
فإن ذلك يورثه مقت نفسه ويخلصه من العجب، ويفتح له باب الذل والانكسار بين يدي ربه، وإن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فعندها يعلم علم اليقين أنه غير مؤد للعبودية كما ينبغي، وأنه إن أحيل على عمله هلك، وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله، ومن ههنا انقطعوا عن الله، وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته والشوق إلى لقائه والتلذذ بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس: هو نظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا.
- دوام الخشية من الله:
إن العبد إن استمر على [/sizeمحاسبة [/url][size=25]نفسه صار من العالمين بالله علم اليقين، الذين قال الله فيهم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، لأن العلم إذا لم يزد صاحبه خشية الله فليس بعلم نافع.
فالعلم علمان: علم على اللسان، وهو حجه الله على خلقه، وعلم في القلب وهو الخشية.
4- تولد خلق الحياء من الله:
لأن المسلم إذا حاسب نفسه على التقصير في جنب الله ورأى نعم الله إليه نازلة ومعصيته إلى ربه صاعدة، علم قد نفسه وهوانها، وتولد عنده خلق الحياء من الله تعالى، وقد قال النبي : «الحياء شعبة من الإيمان» [رواه مسلم].
5- الاستعداد للرحيل:
إن [/size[/url][size=25]النفس تجعلك تستكثر من الزاد، وليعم لكل مسلم أنه ليس للمرء في الدنيا مقام ولا عليها قرار، فالآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً. يومها لا يعرف أحد أحدًا ولو كان قريبًا أو عزيزًا، قال تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 34 – 37].
ألا يكفي ذلك زاجرًا للعاصي ومنبهًا للغافل وموقظًا للنائم ومذكرًا للناسي، فيتوبون إلى ربهم قبل فوات الأوان.
واعلمي أختي المسلمة أنك في الدنيا مسافرة فلا بد من الزاد لهذا السفر الطويل.
6- الازدياد من العمل الصالح:
بمحاسبة النفس يعلم العبد قدر الدنيا وهوانها وعظم الآخرة وثوابها، فيرحل بقلبه من الفانية إلى الباقية، قال تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات: 50].
7- تثمر محبة الله ورضوانه.
8- تحقيق السعادة في الدارين.
9- دليل على صلاح الإنسان، وعلى خوفه من الله، ومن خاف من الله بلغ المنزلة.
10- البعد عن مزالق الشيطان.
بالله عليك ، يامسلم ، أن تقرع بابه ، وأن تقصد جنابه ، وأن تتدبر كتابه ،
وأن تصاحب أحبابه عندها سوف تجد اليسر والفلاح ،
وتغنم الأجر والنجاح